مقالات – غزة بوست
بقلم: شاؤول حورب وبني شبناير
مرة اخرى نعود الى مضائق تيران
(المضمون: إن تأمين حرية الملاحة في الدخول الى خليج ايلات في اطار اتفاق مع السعودية هو هدف استراتيجي من الدرجة الاولى بالنسبة لاسرائيل ).
في الفترة الاخيرة تزداد الاخبار عن خطوات تقودها الادارة الامريكية فيما يتعلق باقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين السعودية واسرائيل. في الاسبوع الماضي نشر براك ربيد في “واللاه” خبر يقول إن الولايات المتحدة تقوم بالوساطة بين اسرائيل ومصر والسعودية حول تسوية مكانة الجزر التي تقع على مدخل خليج ايلات. نحن، في مركز ابحاث السياسات والاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا نعتقد أن عملية التسوية هذه هي خطوة حيوية ولازمة جدا من اجل أمن دولة اسرائيل في أي اتفاق سيتم التوصل اليه بين الدول. ايضا الاحداث الاخيرة في مضائق البوسفور والدردنيل في اطار المعركة بين روسيا واوكرانيا، ومضائق باب المندب في اطار نشاطات المتمردين الحوثيين في المنطقة، تؤكد اهمية حرية الملاحة في نقاط حساسة كهذه.
مضائق تيران وجزر تيران وسنافير توجد في الطرف الجنوبي لخليج ايلات، في الطريق من الشرق الاقصى والبحر الاحمر. الخلاف حولها ينبع من اسباب تاريخية، قضايا حقوق جغرافية، علاقات دولية واستراتيجية. المضائق هي ذات اهمية استراتيجية لدولة اسرائيل واغلاقها امام حركة السفن من اسرائيل واليها من قبل مصر كان من عوامل اندلاع حرب كديش (1956) وحرب الايام الستة (1967). هذه الحقيقة أدت الى أنه في اطار اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر في 1979 حظيت هذه المنطقة الحساسة باهتمام خاص في اطاره تم تأمين حرية الملاحة عبر المضائق من اسرائيل واليها، وحتى تم تثبيته في آلية لنزع سلاح المنطقة ورقابة لقوة من الامم المتحدة برئاسة الولايات المتحدة.
لكن يوجد لمضائق تيران والجزر القريبة منها تاريخ اطول يتعلق بمصر والسعودية المجاورة لها. من البداية كانت الجزر تعود للسعودية. في نهاية 1949 وقع كما يبدو اتفاق، لم ينشر في أي يوم، بين الطرفين سمح فيه لمصر بأن تدخل الى تيران وسنافير معدات عسكرية من اجل منع احتلالها من قبل اسرائيل. هذا الامر اثار التوتر والولايات المتحدة تناقشت في حينه مع مصر حول معنى منع حرية الملاحة في المضائق بشكل عام، ومنع ذلك على اسرائيل بشكل خاص. منذ ذلك الحين فصاعدا كانت هذه المنطقة بؤرة توتر بين اسرائيل ومصر، التي كما قلنا تمت تسويتها في اتفاق السلام بين الدولتين فقط في 1979. ولكن في العام 2016 اثناء زيارة ملك السعودية في مصر وقع بين الدولتين اتفاق ينص على أن مصر ستعيد الجزر للسعودية مقابل مساعدات اقتصادية كبيرة، تشمل بناء جسر يربط الدولتين فوق المضائق. رغم معارضة الجمهور المصري للاتفاق إلا أنه تمت المصادقة عليه في نهاية المطاف عن طريق المحاكم في 2017 ووقع من قبل الرئيس. وحسب منشورات في الصحف في حينه فان اسرائيل عرفت عن الاتفاق ولم تعارضه.
عندما حصلت السعودية مجددا على السيادة على المضيق والجزر فانها “ورثت” فعليا ايضا اتفاق السلام بين اسرائيل ومصر، بقدر ما يتعلق الامر بهذه المنطقة، دون أن تكون طرف فيه. هكذا، منذ ذلك الحين وحتى الآن اعلنت بأنها لا تعتبر نفسها ملزمة بما ورد فيه. هي غير ملزمة بحرية الملاحة، الحيوية لدولة اسرائيل، وهي تعتبر قوة المراقبين الدوليين في المنطقة من اجل تأمين اتفاق السلام قوة اجنبية تعمل في منطقتها السيادية. في المقابل، توجد لاسرائيل ضمانات دولية تضمن بأن هذه القوة ستضمن تنفيذ الاتفاق الذي يسري على المنطقة بنصه الحرفي. فعليا، كما تمت الاشارة في مركز ابحاث السياسات والاستراتيجية البحرية في جامعة حيفا في 2017، فانه بالنسبة لاسرائيل الوضع الآن على الاقل، بقدر ما يتعلق الامر بالمنطقة التي توجد تحت سيادة السعودية، عاد الى ما قبل اندلاع حرب الايام الستة. هناك خطر كبير لامكانية تدهور الوضع حول حرية الملاحة في المضائق، وواجب محاولة اعادة النظام الى نصابه.
اذا كانت التقارير الاخيرة بشأن تدفئة العلاقات بين اسرائيل والسعودية صحيحة فان الامر يتعلق بتطور مهم. وحقيقة أن اسرائيل والسعودية والولايات المتحدة تناقش تدفئة العلاقات فيما بينها وأن الموضوع الاول الذي يقف على الاجندة هو تسوية الوضع القائم في مضائق تيران، تدل على أن الاطراف فهمت أن ابقاء هذا الموضوع بدون حل يمكن أن يصبح لغم اقليمي فيما بعد. في الحل المقترح اسرائيل يمكن أن تحصل على وعد بحرية الملاحة، الحيوية لوجودها، وعلى ضمانات بأن لا يتم تهديدها باغلاق المضائق مثلما حدث في السابق. السعودية ستضمن حرية الملاحة فيها. في هذه الشروط هي ايضا يمكنها الحصول على وعد بأن قوة المراقبين الدولية الموجودة في اراضيها ستغادر، وهذه خطوة حيوية لتطبيق سيادة كاملة في المنطقة، كما تطلب.
مسارات الملاحة لاسرائيل في البحر المتوسط والبحر الاحمر هي شريان حياتها، ليس اقل من ذلك. وضمان بقاءها مفتوحة وآمنة بشكل دائم هو هدف استراتيجي من الدرجة الاولى. الاخبار عن اقامة محتملة لعلاقات دبلوماسية بين اسرائيل والسعودية ستسمح للجمهور الواسع بالقاء نظرة غير عادية على المدى البحري، الذي بشكل عام لا يحظى باهتمام ومستوى اهميته غير مفهوم بدرجة كافية.
ملاحظة: المقالات المنشورة عبر موقع “غزة بوست” الاخباري تعبر عن رأي كاتبها فقط، وليس الموقع، حيثُ أننا نفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية مقالات وآراء.