هل نتذكر دائمًا ما حدث بتفاصيل دقيقة؟ حاول أن تحكي موقفًا مر عليه أيام فقط وستكتشف أنّ الذاكرة خانتك وأنّ جزءًا كبيرًا مما تقوله لم يحدث أو على الأقل ليس بالكيفية ذاتها.
التجربة أثبتت ذلك، ولعل أشهرها هي تلك التي يخبر فيها شخص زميله بقصة ما ثم يطلب منه أن ينقلها لغيره ثم لغيره ثم لغيره وهكذا، حتى يقص الشخص الأخير الحكاية والتي تكون دائمًا مخالفة تمامًا للقصة الأصلية.
ما علاقة كل هذا بحكاية ماركو فيراتي وبرشلونة؟ إنها الذاكرة يا صديقي، كاذبة، ملعونة ومفبركة للحقائق!
رحلة خلق الوحش
في صيف 2017، فجّر باريس سان جيرمان أكبر قنبلة في سوق الانتقالات بكسر عقد نيمار دا سيلفا مقابل 222 مليون يورو، وهو الأمر الذي بدا خيالًا لن يحدث أبدًا.
نيمار كان لديه شرط جزائي مقدر بمبلغ 180 مليون يورو حتى 30 يونيو 2017 وكان من الصعب تخيل قدرة باريس على دفع هذا المبلغ وضمه، وبعد 1 يوليو وارتفاع الشرط الجزائي إلى 222 مليون يورو كان هذا ضربًا من الخيال، لكن الفريق الباريسي فعلها ثم بعدها ضم كيليان مبابي على سبيل الإعارة لموسم مع إلزامية الشراء مقابل 180 مليون يورو.
وهنا فعل باريس ما لم يتوقعه أحد، وبدأت رحلة خلق الوحش واعتبار ناصر الخليفي الرجل القادر على فعل أي شيء ورد الصاع صاعين.
في البداية قيل إن السبب وراء الإصرار على نيمار هو الرد على الخسارة التاريخية في دوري أبطال أوروبا أمام برشلونة بسداسية لهدف والعودة التي لا ينساها أحد.
ثم بعد ذلك ذكر الجميع فيراتي، وهنا تدخلت الذاكرة الملعونة.
محاولات برشلونة لضم فيراتي
برشلونة وضع فيراتي هدفًا رئيسيًا له منذ فترة طويلة، بل تردد اسمه بعد رحيل تشافي هيرنانديز في 2015 كبديل محتمل وبقوة.
وتحدث جوسيب ماريا بارتوميو، رئيس برشلونة السابق، عن اللاعب للمرة الأولى في يونيو 2017 وألمح إلى أنّ النادي الكتالوني يفكر في فيراتي، لكن التصريح الأكثر واضحًا كان يوم 7 يوليو والذي أكد فيه أنّ البلوجرانا يرغب في ضم اللاعب واللاعب يود بالفعل الانضمام إلى النادي الكتالوني.
وما بين التصريحين، تواجد فيراتي في إبيزا لقضاء العطلة، وأكدت المصادر الصحفية وقتها أنّه اجتمع مع السكرتير الفني لبرشلونة، والبعض أيضًا تحديث عن مقابلته للأرجنتيني ليونيل ميسي الذي أقنعه باللعب للبلوجرانا.
ولكن فيراتي نفسه أضاف الوقود للنار حينما ظهر في صورة وهو يحمل جريدة موندو ديبورتيفو التي وضعته في الصفحة الرئيسية في خبر يخص اقترابه من برشلونة.
ثم توالت الأخبار بشأن رغبة اللاعب في الرحيل عن باريس سان جيرمان وطلبه من الإدارة المغادرة بكل الطرق، ليزيد وكيل أعماله الطين بلة بقوله إن اللاعب يعيش “في سجن ذهبي” مع باريس سان جيرمان.
وأكد أيضًا أنّ ناصر الخليفي رفض عرضًا مقابل 100 مليون يورو، وأنّه لا يوجد شخص يمكن أن يرفض هذا المبلغ على الإطلاق.
الأمور كلها وقتها كانت تشير إلى أنّ برشلونة يرغب فيراتي واللاعب يدفع دفعًا نحو اللعب في “كامب نو”.
ثم ماذا حدث؟
خرج فيراتي واعتذر في البداية عن تصريحات وكيل أعماله، ثم بعد نحو 10 أيام قرر التخلي عنه والتعاقد مع مينو رايولا ليربط نفسه بعدها بالانضمام إلى مانشستر يونايتد بجانب برشلونة.
وبعدها جاء نيمار إلى باريس سان جيرمان، وسأل صحفي ناصر الخليفي إن كانت الصفقة للانتقام من برشلونة على محاولات ضم فيراتي لكنّه نفى بالطبع.
ولم يمر سوى أيام بعدها لتتصدر الصحف أخبار اقتراب فيراتي من تجديد عقده – رغم تمديده من قبل حتى 2021 – مع زيادة في الراتب بالطبع، ليتأكد أنّ الأمر كان مجرد حيلة من اللاعب للحصول على زيادة في الراتب، ولم تكن هناك خطة منه للرحيل، وجاء رايولا ليضمن حدوث ذلك.
هل الانتقام فقط هو الدافع؟
المنطق لا يقول أبدًا إن باريس سان جيرمان ضم نيمار لينتقم من محاولات برشلونة التعاقد مع فيراتي.
وحينما تتبع الأحداث التي انكشفت بعد توقيع نيمار للعقد ستتأكد أنّ النادي الباريسي وضع البرازيلي هدفًا رئيسيًا له قبل كل هذه الضجة.
نيمار كان بالفعل مخطط للرحيل عن برشلونة مع نهاية موسم 2016-2017 لكن طلب التأجيل حتى الأول من أغسطس ليضمن الحصول على مكافأة الولاء – التي لم يحصل عليها بعد ذلك – حتى أن الجميع في ليلة زفاف ميسي كانوا على علم بالأمر.
فيراتي كان مطلوبًا في برشلونة منذ رحيل تشافي وتحديدًا بعد انتهاء عقوبة القيد في 2016 ومع ذلك لم يتجه باريس لكسر عقد نيمار ودفع 180 مليون يورو وجلبه في هذا الصيف، ثم بدأ التخطيط لضم نيمار بعد ليلة 8 مارس التاريخية وتألق البرازيلي في مباراة الريمونتادا الشهيرة، ولم يكن هناك أي رابط بين الحالتين.
تتبع الأحداث يؤكد أنّ محاولات برشلونة لضم فيراتي لم تكن السبب وراء رحيل نيمار، وأنّ باريس لم يخطط عمدًا لتدمير النادي الكتالوني كما يتصور البعض، تمامًا مثل تجديد عقد كيليان مبابي ليس انتقامًا من ريال مدريد!
القصة انتشرت والبعض صدقها كما أنّ لها صدً مثيرًا، لكن الحقيقة أنّ رئيس باريس سان جيرمان يمتلك ما يكفي من الغرور ما يجعله يصرف الملايين على صفقات ورواتب ويرفض عروضًا ضخمة لبيع لاعبيه، سواء كان الطرف الأخر من المعادلة برشلونة، ريال مدريد أو أي فريق آخر.
اقرأ أيضًا:
ركلهم هازارد واستفزوا ميسي ورونالدو .. جامعو الكرات بين الشغب والبراءة
بدر المطوع .. العميد رغم أنف المنافسين والبرتغال تنصفه على رونالدو