غزة بوست
بقلم/ جمانة وفيق الريس
مجاعة القرن تفتك بشمال غزة والشهود عالم بأكمله
في قرون الإنسان الأولى حيث لا عصرية ولا حداثة قالوا بأن لا أحد يموت من الجوع وفي عصر التحضر والتكنولوجيا ونصوص حقوق الإنسان مات عشرات السكان في شمال قطاع غزة جوعاً وقد وثقت صور هياكلهم العظمية الفضائيات والمنصات المختلفة وشهد على مجاعتهم المستمرة منذ أشهر طويلة العالم بأكمله.
وبحسب إحصاءات الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من نصف مليون شخص في شمال قطاع غزة المنكوب يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد ، وآلاف الأطفال هناك يعانون من سوء التغذية الشديد، والعديد منهم يواجه خطر الموت جوعًا إذا لم تتدخل الجهات الإغاثية بشكل عاجل.
●شهور من الحشائش البرية وأعلاف الحيوانات
بصوت مختنق وجسد منهك تروي لنا أم أسماء (٤٥عاماً) من معسكر جباليا كيف داهمها وعائلاتها شبح المجاعة فلم يكن أمامهم سوى تناول القليل من الحشائش البرية إن وجدت كي لا يسقطون ضحايا للجوع وبعجز بالغ أكملت ” أطفالي يصرخون من الجوع ولا أستطيع فعل شيء نحن ضحايا الخذلان والمجهول ..
وفي حي الزيتون التقينا بالنازح محمد (38 عامًا) الذي اضطر للفرار من منطقته بسبب انعدام الغذاء. يروي محمد: “لقد بعنا كل ما نملك من أراض وماشية للحصول على قوت يومنا. الآن نعيش في مدرسة ونحن في وضع مزري. المنظمات الإغاثية متأخرة في وصول المساعدات.”
● حرب تجويع متكاملة الأركان
على عكس رواية إسرائيل وحكومتها بإغراق قطاع غزة بشاحنات المساعدات وأنها لا تستخدم سلاح التجويع ضد المدنيين هناك ، فقد فندت المجاعة البشعة في شمال غزة هذه الرواية وأثبتت زيفها وأسقطت مزاعمها ، وأكدت أن إسرائيل لا تستخدم التجويع سلاحا وحسب بل إنها تمارس حرب تجويع متكاملة الأركان وترتكب صنوفاً من الإبادة الجماعية بحق المدنيين الفلسطينيين ليس أولها قتلهم بالأحزمة النارية وليس آخرها المجاعة التي أذابت لحم الأطفال عن عظامهم وأردتهم ضحايا أمام أعين ذويهم العاجزين عن إنقاذ أرواح فلذات أكبادهم .
مشاهد الموت جوعاً جراء المجاعة قابلتها بيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، بأن معدلات سوء التغذية في شمال القطاع قد ارتفعت إلى مستويات قياسية مفزعة لدى الاطفال دون سن الخامسة حيث أحصينا نحو ٥٠ طفلا يعانون من سوء التغذية خلال أسبوع واحد وهذا يدفعنا للقول بأن محافظات شمال قطاع غزة وغزة يندرجون ضمن المرحلة الخامسة في سلم تصنيف انعدام الأمن الغذائي مع وجود 70 في المئة من السكان في هذه المحافظات، أي نحو 210 ألف شخص، في المرحلة الخامسة الكارثية ومع تواصل الحرب وفشل شبه تام في وصول المساعدات الإنسانية لشمال القطاع مما يعني عدم قدرة السكان هناك على الحصول على الطعام بالإضافة إلى محدودية الخدمات الصحية والمياه ،كما أن معدلات النزوح القسري بلغت أشدها حيث فر الناس هربًا من ويلات المجاعة.
تحليل هذا المشهد يشير إلى أن الأزمة لها جذور متشعبة حيث أن الحرب على غزة ومنع تدفق المساعدات وإغلاق المعابر ساهمت في نشوب المجاعة ، على الرغم من وجود أكثر من منفذ بري وبحري في شمال القطاع يتم استخدام هذه المنافذ لإيصال المساعدات إلى جنوب القطاع على مرأى عيون أهالي شمال القطاع المكلومين المحاصرين لتحطيمهم وإضعاف معنوياتهم وقهرهم ومعاقبتهم جماعياً بالمجاعة لأنهم رفضوا النزوح إلى مناطق وسط وجنوب القطاع .
● شمال القطاع منطقة منكوبة تفتك المجاعة في سكانه
حقيقة واحدة ووحيدة وسط كل الفبركات والمزاعم الكثيرة التي استنفذت إسرائيل وأجهزتها ووسائل إعلامها كل الطرق والأدوات في سبيل إخفائها هي بأن المجاعة في شمال غزة هي مجاعة القرن وأن بشاعتها ليس في تعريفها النظري العام الذي اعتاد عليه العالم في أزمات الجوع السابقة إنما في تفاصيلها وفي زمن وقوعها وفي تبجح إسرائيل بمنع دخول المساعدات وفرض هذا الأمر الواقع على كل العالم دون أن تكترث له كأنه شيءٌ من العدم أو لا شيء .