بين الغلاء والبدائل الضارة، حلاوة الحياة تُستبدل بالمرارة- في قطاع غزة، لم تعد “حبة السكر” مجرّد عنصر أساسي في كل بيت، بل أصبحت رمزًا لحصار يُفرغ الرفوف والقلوب معًا. كأننا في رواية من روايات القهر، يختزل فيها كيلو سكر وجع حياة بأكملها.
في الأسواق، يغيب السكر الأبيض. وإن وُجد، فهو بسعرٍ لا يطيقه أحد. قالت أميرة وافي، وهي تتنقل بين البسطات بقهر : “يعني بالله عليكم، إيش ضل للناس؟ حتى السكر اللي كنا نحلي فيه الشاي صار عملة نادرة… كيلو السكر صار يوصل لأرقام ما كنا نحلم فيها، وكأنه بنشتري ذهب!”
هذا ليس مشهداً مؤقتًا، بل واقعٌ يتكرّس يومًا بعد يوم. المواطن الغزيّ لم يعد يسعى وراء الترف، بل وراء البقاء، حتى ولو كان في شكل ملعقة سكر.
البديل ليس دائمًا آمنًا
في ظل هذا الغياب، بدأ الناس يبحثون عن بدائل “تحلي” مرارة الحياة، وإن كانت على حساب صحتهم. انتشرت في الأسواق بعض المُحلّيات الصناعية مجهولة المصدر، وأحيانًا تُستخدم مواد غير خاضعة لأي رقابة صحية.
وحذر د. محمد زغبر، أخصائي السكري والغدد الصماء، من هذه الظاهرة قائلًا: “بدائل السكر قد تكون مفيدة في ظروف معينة، خاصة لمرضى السكري، لكن المشكلة تكمن في النوعية والمصدر. الاستخدام غير المدروس أو العشوائي قد يؤدي إلى أضرار صحية، خاصة في حال المواد المغشوشة أو غير المطابقة للمعايير.”
أنواع بدائل السكر.. بين المفيد والمخيف
وأوضح د. محمد زغبر ان المُحلّيات الصناعية مثل: الأسبارتام (200 مرة أحلى من السكر – منخفض السعرات، لكنه غير مناسب لمرضى الفينيل كيتونيوريا)، وسوكراولوز (600 مرة أحلى – آمن في الطهي)، وساكرين (300 مرة أحلى – قد يترك طعمًا معدنيًا)، والمُحلّيات الطبيعية مثل: ستيفيا و مونك فروت، وهما بديلان نباتيان لا يرفعان سكر الدم، بالاضافة الى إريثريتول و زيليتول، وهما من كحوليات السكر، لهما استخدامات شائعة ولكن الإفراط بهما يسبب اضطرابات هضمية.
وتقرّ الهيئات العالمية مثل WHO و FDA بأمان هذه المواد ضمن الحدود اليومية المقبولة (ADI)، لكنها تحذّر من الإفراط في استخدامها أو الاعتماد المفرط على الطعم الحلو حتى في صيغته “الدايت”.
لكن… هل هي متوفرة في غزة؟
وأضاف د. زغبر قبل الحرب الأخيرة (2023–2024)، كانت بعض المحليات متوفرة عبر منتجات مستوردة أو صيدليات كبرى. لكنها كانت تُعتبر “منتجات رفاهية” بسبب أسعارها المرتفعة.
أما اليوم، وبعد الدمار الواسع، أصبحت هذه البدائل شبه معدومة:
-غلاء يفوق الخيال.
-نقص شديد في المنتجات المستوردة.
– أولويات الناس تغيّرت: الخبز والطحين والزيت قبل “الدايت”.
الواقع الصحي المُرّ
مع تزايد حالات السكري وسوء التغذية، تصبح بدائل السكر، إن توفرت، خيارًا صحيًا جيدًا، لكنها ليست في متناول الجميع. د. زغبر يؤكد أن:
“التحلية الصناعية ليست حلًا جماعيًا في هذه المرحلة، بل قد تتحول إلى عبء صحي إضافي إذا لم تُستخدم بعناية.”
حلول من رحم الحصار
وأشار د. زغبر إلي أن هناك حلول بديلة واقعية داخل غزة، يمكن التفكير بـ استخدام الفواكه المجففة أو المهروسة (كالتمر أو الموز) كمصدر طبيعي للتحلية، متوفرة نسبيًا، صحية أكثر من السكر الأبيض، تحتوي على ألياف ومعادن، نشر ثقافة “تقليل السكر” بدلاً من “استبداله”، استخدام القرفة أو الفانيليا لتعزيز الطعم دون إضافة سكر.
خلاصة المشهد: السكر كرمز
غزة لا تبحث عن الرفاهية، بل عن الحد الأدنى من مقومات الحياة. أن يُصبح السكر “حلمًا”، فذلك لا يعني فقط انهيار نظام غذائي، بل انكشاف واقع تُقاس فيه أحلام الناس بملعقة.
“نحن لا نطلب معجزة، بل نريد أن نعيش بكرامة… من حقي أشرب شاي محلى زي أي بني آدم”، تقول أميرة، وتغادر السوق خالية اليدين، لكنها محمّلة بالمرارة.
التعليق على هذا الموضوع