تاريخ النشر:
15 يونيو 2022 1:11 GMT
تاريخ التحديث: 15 يونيو 2022 2:05 GMT
إذا رأينا مراهقًا يعرف كيف يستخدم التهكم والسخرية منذ سن مبكرة، فهذا يكشف عن تطوره اللغوي وإبداعه وذكائه، فماذا يخبرنا به العلم حول هذا الموضوع؟.
لطالما حذرنا العلم من أن المراهقين المتهكمين ”أكثر ذكاء“ من غيرهم، هذا الموقف الساخر والفضولي وحتى المضحك من شأنه أن يكشف عن قدرات معرفية عالية لدى المراهقين، لذا، بدلا من رؤية ”شكل من أشكال الوقاحة في هذا السلوك“، من الجيد معرفة كيفية تقديره.
سبق وأن قال تلك الحقيقة المسرحي والروائي الإنجليزي أوسكار وايلد، حين أكد أن ”السخرية هي أدنى أشكال البراعة، ولكنها أيضًا أعلى أشكال الذكاء“.. صحيح أن التهكم أمر مزعج، وأنه في بعض الأحيان يبدو لنا لاذعًا، ومع ذلك، هناك طرق ووسائل لاستخدام هذا المورد التواصلي. هناك من يستخدم سهمًا سامًّا، وهناك المتهكمون الذين يجعلوننا ”نضحك ونتسلى“.
في حالة المراهقين يبدو أن الاستخدام المبكر لفن ”التهكم والسخرية“ هو علامة واضحة على إبداعهم وإمكاناتهم الفكرية. لذلك دعونا نتجنب الغضب منهم، لأنهم يطوّرون أداة لغوية قوية.
سر تفوق المتهكمين
التهكم، حسب تقرير موقع ”nospensee“ الفرنسي هو ”التعبير الأكثر تعقيدًا في السخرية اللفظية“.. بفضل هذا المورد ننقل ببراعة وفكاهة رسالة مقنعة وفكرة هزلية ومبتكرة تجاه شخص ما.. عكس ما نعتقده ولكن بلطف متناه ودقة وأصالة.. القيام بذلك بشكل جيد فن في حد ذاته، أما أن تفعل ذلك بشكل خاطئ فهو الوقوع في الإساءة المجانية وفي الابتذال.
وهكذا فإن معرفة أن المراهقين المتهكمين الساخرين أكثر ذكاء قد لا يكون أمرًا ذا دلالة وفائدة عند الكثير من الناس.. ليس من الصعب إدراك الطلاقة اللفظية الجيدة والجرعات الرائعة من الإبداع لدى هؤلاء الشباب.. وقد يكون هناك العديد من الآباء والمعلمين الذين ينظرون إلى سخرية أطفالهم على أنها شكل من أشكال الوقاحة أو عدم الاحترام، وهم في ذلك على خطأ.
أجرت جامعة ”كالجاري“ دراسة في عام 2018 حول ”المورد اللغوي للتهكم والسخرية“، حيث أشارت مؤلفة تلك الدراسة، بيني بيكسمان، وهي عالمة في اللغة النفسية، إلى أن ”السخرية هي اختبار للنضج، لأن نمو دماغ الطفل يستغرق وقتًا طويلا في فهمه وتطويره“.
جهد عقلي متطور
يتطلب التهكم جهدًا ذهنيًا، بحيث يتضمن عمليات معرفية متعددة.. لا يكفي أن يكون لديك ذكاء وروح الدعابة بل إحداث تأثير انفعالي عند المتلقي.
إنه نوع من اللغة ”المعدنية والتجريد“ التي تهدف إلى التواصل بطريقة بديلة وغير مباشرة. السخرية لا تستخدم العبارات الحرفية، بل تبحث عن مسارات بديلة تفاجئ بها المتلقي، وتبرز ما بداخل صاحبها.. لا يمكننا أن ننسى أن هذه الأنواع من التعبيرات شافية لمن يعبرون عنها. فبِها يتخلصون من الأشياء التي تزعجهم بطريقة أصلية.
من ناحية أخرى أصبح من الممكن علميًا أيضًا رؤية أن السخرية تنطوي على تنشيط الشبكات الدلالية المرتبطة بمعالجة اللغة العامة وبروح الدعابة. وكما نعلم جيدًا فإن الأشخاص الذين يتمتعون بروح الدعابة الحادة والأصلية ينطوون على قدرات فكرية جيدة.
إذا كان المراهقون المتهكمون أكثر ذكاء فهذا لأن التهكم مهارة تستغرق وقتًا لتطويرها.. في المتوسط تبدأ هذه المهارة في الظهور بين سن 9 و 10 اعوام.. من الصعب جدًا على طفل يبلغ من العمر 6 أو 7 اعوام استخدام هذه الأنواع من التعبيرات وفهمها.
فإذا تأخر ظهور التهكم، فالسبب في الأساس مرتبط بمبادئ نظرية ”العقل“، حيث تؤكد هذه النظرية، أننا نملك القدرة على فهم نوايا الآخرين، وأن ننسب إليهم أفكارًا ونوايا.. وتصبح هذه المرحلة من نمو الدماغ أكثر نموًا وتطورًا بشكل تدريجي.
لعلنا رأينا أطفالا تتراوح أعمارهم بين 12 و 13 عامًا أظهروا بالفعل مهارات ساخرة رائعة.. فهذا يدل على إمكاناتهم الفكرية، فيما نرى أطفالا يستغرقون وقتًا أطول قبل إتقان تلك المهارة، لدرجة أن هناك من يصل إلى سن الرشد دون إتقان هذه القدرة.
أهمية البيئة
كما هو الحال دائمًا في مجال تنمية الأطفال والمراهقين، فإن للبيئة التي ينمو فيها الطفل دورًا حاسمًا في نموه العاطفي، وتشكيل هويته وإمكاناته الفكرية.. إذا كان المراهق يستخدم السخرية بشكل متكرر فمن المحتمل جدًا أنه يحظى بأبوين قد حفزا فيه هذه السمة.
المهارات التعبيرية الجيدة والذكاء و“روح الدعابة“ كثيرًا ما تكون موضع ”محاكاة“.. لا شك أن وجود بيئة أسرية حاضنة يشجع البراعة وكذلك هذا النمط من البراعة اللغوية التي تتيح لك الحصول على طريقة أخرى للتعبير عما تشعر به، فلا يختصر كل شيء في ”التواصل المباشر“.
كما تضيف السخرية والمعاني المزدوجة والتهكم ثراءً للغة.. إذا كان هذا باحترام فسننشئ مراهقًا بإمكانيات كبيرة.. فلنضع هذا في الاعتبار.