في لغتنا اليومية نجد إشارة لعلاقة بين العنف والغضب حينما نقول مثلا “تأججت نار الغضب” أو “اشتعلت الحرب” وغيرها من العبارات اليومية الدارجة، وكأن هناك دائما علاقة بين الحرارة والمشاعر السلبية على رأسها الغضب، لكن هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا علميا؟
ففي سبتمبر/أيلول 2023 أشارت دراسة من جامعة كاليفورنيا باركلي إلى أن الحرارة المرتفعة قد تجعل بعض الناس أكثر عدوانية، ولكن ذلك يحدث في حالات خاصة مثل أن يشعروا بالتهميش، شارك في تلك الدراسة حوالي 2000 متطوع.اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الاثنين 22 يوليو/تموز أحر يوم في التاريخ الحديثlist 2 of 2هكذا يقاوم أهل مراكش قيظ الصيف بذكاء معماريend of list
في هذه الدراسة، نقل الباحثون المتطوعين إلى غرفة من اثنتين، الأولى في كاليفورنيا (الولايات المتحدة) وتبلغ حرارتها 22 درجة مئوية، والثانية في نيروبي (كينيا) وتبلغ حرارتها 30 درجة مئوية، وتم إخضاعهم لمجموعة من اختبارات اتخاذ القرار والاختبارات المعرفية، ثم قارن الباحثون بعد ذلك أداء الأفراد في الغرفتين الباردة والساخنة.
وخلصت النتائج إلى أنه في معظم الأحيان لم يكن هناك الكثير من الاختلافات بين أفراد الغرفتين، كما أن قدراتهم على اتخاذ القرار لم تتراجع.
لكنّ جانبا من الاختبار شمل أن يتم إعطاء مهام لبعض الأفراد يوعدون خلالها بمكافأة مالية، ثم بعد ذلك تُمنع عنهم المكافأة، وهنا كان رد فعل فريق كاليفورنيا في النطاق الطبيعي، لكن رد فعل فريق نيروبي كان أشد قسوة، مما يعني وجود تأثير للحرارة على اتخاذ القرار.
أسرى الغرف المغلقة
هذه ليست أول مرة يحصل العلماء فيها على نتائج من هذا النوع، فمثلا أشارت التجارب، التي قسّمت الخاضعين لها في غرفتين، إحداهما ذات درجة حرارة أعلى من الأخرى في 2017، إلى تصاعد درجات العدائية في الأفكار والمشاعر والسلوك لدى الجالسين في الغرف الحارة، مع تناسب بين مدد الإقامة بتلك الغرفة ودرجات العدائية.
أضف إلى ذلك أن النتائج أشارت إلى وجود تصاعد في تصورات هؤلاء الجالسين في غرف حارة عن درجة عدائية الجالسين معهم أو حتّى قائمة أفلام عرضت عليهم في الغرفتين.
وكانت إحدى أشهر التجارب في هذا النطاق أجريت قبل ثلاثة عقود تقريبا من الزمن حينما أخضع ألدرت فريدج ورفاقه، من جامعة بورتسموث بأمستردام، مجموعة مكونة من 38 ضابط شرطة لتجارب تتعلق بدفعهم للتمرن في غرف مختلفة درجات الحرارة، ثم مقارنة النتائج، وتضمنت التجارب محاكاة على شاشة عرض لحالة إنذار بالسرقة، ثم يتدخل الضابط ليواجه مشتبها فيه.
وجاءت النتائج لتقول إن ضباط الغرفة الحارة كانوا أميل للاشتباه في هذا الشخص وفي درجة عدائيته، وأكثر ميلا لسحب المسدس الخاص بهم بنسبة 85% في الغرف الحارة مقابل 45% في الغرفة الباردة.
وفي دراسات أخرى، ظهر أن جرائم العنف مثل القتل والاعتداء الجسيم وإطلاق النار الجماعي تكون أكثر احتمالا عندما ترتفع درجات الحرارة. وحتى في البيئات الخاضعة للرقابة مثل السجون، وجدت دراسة أجريت عام 2021 زيادة بنسبة 18% في العنف بين النزلاء في الأيام الحارة جدًا.
ارتفعت معدلات الموجات الحارة وأصبحت أشد عما مضى من أعوام وأصبحت أطول بحيث باتت بعض فصول الصيف وكأنها موجة حارة كبرى (شترستوك)
جسد متألم
ويظهر ذلك الأثر في أماكن متنوعة حول العالم، مما يرجح أن السبب يتعلق بتركيبة أجسامنا، حيث يعتقد العلماء أن هناك عدة تأثيرات تتسبب في تلك العلاقة بين الغضب والحرارة، فأجسامنا لا يمكن أن تتعامل بسهولة مع درجات الحرارة القصوى التي تتجاوز حدودا معينة، وفي مرحلة ما يبدأ أداؤنا في المهام المختلفة بالتدهور، وتتأثر أجسامنا فيسيولوجيا بشكل يؤثر على مشاعرنا.
إلى جانب ذلك، يمكن أن تسبب الحرارة حالة من عدم الارتياح الجسدي، وهذا أمر نلاحظه في الأيام الشديدة الحرارة، مما قد يزيد من التوتر والتهيج والإحباط، وحينما يحدث ذلك فمن المرجح أن يتعامل الناس بعدوانية مع الاستفزازات البسيطة.
أضف لذلك، غالبًا ما يتزامن ارتفاع درجات الحرارة مع زيادة الأنشطة الخارجية والتفاعلات الاجتماعية، مما يؤدي إلى الازدحام، والبيئات المزدحمة يمكن أن تزيد من التوتر والعدوان إلى جانب الحرارة.
ويرى فريق من الباحثين أن أدمغة البشر تكيفت مع الزمن للتعامل بحذر شديد مع كل ما يرتبط بالحرارة، فالأمر لا يقف فقط على التأثير الفيسيولوجي للنار نفسها، بل مجرد ذكر النار أو عرض صورها، ويصل الأمر إلى أن مجرد تغذية عقول البعض بأفكار عن الحرارة قد تتسبب في دفعهم لاستحضار أفكار غاضبة.
والآن، إليك مجموعة من الطرق التي تساعدك في مقاومة التوتر أو القلق أو الغضب الناتج عن الطقس الحار، خاصة في سياق موجة حارة غاية في القسوة يمر بها العالم العربي حاليًا:
(غزة بوست)